فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد روي أن رجلًا جاء إلى عمر رضي الله عنه يشكو خلق زوجته فوقف على باب عمر ينتظر خروجه فسمع امرأة عمر تستطيل عليه بلسانها وتخاصمه وعمر ساكت لا يرد عليها فانصرف الرجل راجعًا وقال: إن كان هذا حال عمر مع شدته وصلابته وهو أمير المؤمنين فكيف حالي؟ فخرج عمر فرآه موليًا عن بابه فناداه وقال ما حاجتك يا رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئت أشكو إليك سوء خلق امرأتي واستطالتها علي فسمعت زوجتك كذلك فرجعت وقلت: إذا كان حال أمير المؤمنين مع زوجته فكيف حالي فقال: عمر يا أخي إني احتملتها لحقوق لها علي إنها طباخة لطعامي خبازة لخبزي غسالة لثيابي مرضعة لولدي وليس ذلك كله بواجب عليها ويسكن قلبي بها عن الحرام فأنا أحتملها لذلك. فقال الرجل: يا أمير المؤمنين وكذلك زوجتي قال عمر: فاحتملها يا أخي فإنما هي مدة يسيرة.
وحكي أن بعض الصالحين كان له أخ في الله وكان من الصالحين يزوره في كل سنة مرة فجاء لزيارته فطرق الباب فقالت امرأته: من فقال: أخو زوجك في الله جئت لزيارته فقالت: راح يحتطب لا رده الله ولا سلمه وفعل به وفعل وجعلت تذمذم عليه فبينما هو واقف على الباب وإذا بأخيه قد أقبل من نحو الجبل وقد حمل حزمة الحطب على ظهر أسد وهو يسوقه بين يديه فجاء فسلم على أخيه ورحب به ودخل المنزل وأدخل الحطب وقال للأسد: اذهب بارك الله فيك ثم أدخل أخاه والمرأة على حالها تذمذم وتأخذ بلسانها وزوجها لا يرد عليها فأكل مع أخيه شيئًا ثم ودعه وانصرف وهو متعجب من صبر أخيه على تلك المرأة. قال: فلما كان العام الثاني جاء أخوه لزيارته على عادته فطرق الباب فقالت: امرأته من بالباب قال أخو زوجك فلان في الله فقالت: مرحبًا بك وأهلًا وسهلًا اجلس فإنه سيأتي إن شاء الله بخير وعافية. قال فتعجب من لطف كلامها وأدبها إذ جاء أخوه وهو يحمل الحطب على ظهره فتعجب أيضًا لذلك فجاء فسلم عليه ودخل الدار وأدخله وأحضرت المرأة طعامًا لهما وجعلت تدعو لهما بكلام لطيف فلما أراد أن يفارقه قال: يا أخي أخبرني عما أريد أن أسألك عنه. قال وما هو يا أخي قال: عام أول أتيتك فسمعت كلام امرأة بذيئة اللسان قليلة الأدب تذم كثيرًا ورأيتك قد أتيت من نحو الجبل والحطب على ظهر الأسد وهو مسخر بين يديك ورأيت العام كلام المرأة لطيفًا لا تذمذم ورأيتك قد أتيت بالحطب على ظهرك فما السبب قال يا أخي: توفيت تلك المرأة الشرسة وكنت صابرًا على خلقها وما يبدو منها كنت معها في تعب وأنا أحتملها فكان الله قد سخر لي الأسد الذي رأيت يحمل عني الحطب بصبري عليها واحتمالي لها فلما توفيت تزوجت هذه المرأة الصالحة وأنا في راحة معها فانقطع عني الأسد فاحتجت أن أحمل الحطب على ظهري لأجل راحتي مع هذه المرأة المباركة الطائعة فنسأل الله أن يرزقنا الصبر على ما يحب ويرضى إنه جواد كريم. اهـ.

.قال صاحب قوت القلوب:

وقد شبه اللّه عزّ وجلّ حسن القيام على الزوجة بحسن القيام على الوالدين فقال فيهما: {وَصاحِبْهُما في الدُّنْيا مَعْروفًا} [لقمان: 15]. وقال في أمر النساء: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} النساء: 19 ثم أجمل في النساء ما فرقه من حق الزوج في كلمة واحدة فقال: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 228].
وقال في عظيم حقهن: {وأخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقًا غَليظًا} [النساء: 21].
وقال عزّ وجلّ: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْب} النساء: 36.
قيل: هي المرأة. وآخر ما أوصى به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثلاث كان يتكلم بهن حتى تلجلج لسانه وخفي كلامه جعل يقول: الصلاة الصلاة، وما ملكت أيمانكم لا تكلفوهم ما لا يطيقون، واللّه اللّه في النساء فإنهن عوار في أيديكم يعني أسرى أخذتموهن بعهد اللّه واستحللتم فروجهن بكلمة اللّه. وسئل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: ما حق المرأة على الرجل قال: يطعمها إذا طعم ويكسوها إذا اكتسى. ولا يقبح الوجه ولا يهجر إلا في البيت وينبغي أيضًا إذا أراد النكاح أنْ يتعلم ما تحتاج إليه المرأة من حسن العشرة والقيام بما لها عليه وجميل المداراة ولطف المفاوضة، ويعلمها حسن قيامها بما يجب له عليها ويعرفها ما أوجب اللّه له عليها من ذلك، ولا تملك المرأة شيئًا من أمرك فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد ملكك إياها فلا تقلب بهواك حكمة اللّه فينقلب الأمر عليك، فكأنك قد أطعت العدوّ ووافقته في قوله، ولآمرنهم فليغيرن خلق اللّه وقد قال اللّه عزّ وجلّ: {ولا تُؤْتُوا السُفَهَاءُ أمْوالَكُمُ الَّتي جَعلَ اللّه لَكُمْ قِيامًا} [النساء: 5] يعني النساء والصبيان ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: تعس عبد الزوجة لأنه إذا أطاعها فيما تهوى دخل تحت التعس، فكأنه قد بدل نعمة اللّه كفرًا لأن اللّه عزّ وجلّ جعله سيّدها في قوله عزّ وجلّ: {وَأَلَفيا سَيِّدَها لَدَى البابِ} [يوسف: 25].
يعني زوجها. قال الحسن: ما أصبح اليوم رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلاّ أكبه اللّه في النار ولا يعودها عادة فتجترئ عليه وتطلب المعتاد منك، فهي على مثال أخلاق النفس سواء إن أرسلت عنانها جمحت بك، وإن أرخيت عنانها فترًا جذبتك ذراعًا، وإن شددت يدك عليها وكبحتها ملكتها فلعلها أن تطوع لك.
وكان الشافعي رضي اللّه عنه يقول ثلاثة إن أكرمتهم أهانوك وإن أهنتهم أكرموك، المرأة والخادم والنبطي. وكان نساء العرب يعلمن أولادهن اختبار أزواجهن. كانت المرأة إن أنكحت ابنتها قال: يا بنية، اختبري حليلك قبل أن تقدمي عليه، انزعي زج رمحه فإن سكت لذلك فقطعي اللحم على ترسه، فإن أقرّ فكسّري العظام بسيفه، فإن صبر فاجعلي الأكاف على ظهره وامتطيه فإنما هو حمار.
وأوصى أسماء بن خارجة الفزاري، وكان من حكماء العرب، ابنته ليلة زفافها فقال: يا بنية، قد كانت والدتك أحق بتأديبك مني لو كانت باقية، وأما الآن فإني أحق بتأديبك من غيري افهمي عني ما أقول: إنك قد خرجت من العش الذي فيه درجت وصرت إلى فراش لا تعرفينه وقرين لم تألفيه، كوني له أرضًا يكون لك سماء وكوني له مهادًا يكون لك عمادًا فكوني له أمة يكون لك عبدًا، لا تلحفي به فيقلاك ولا تتباعدي عنه فينساك، إذا دنى فاقربي منه وإن نأى فابعدي عنه، واحفظي أنفه وسمعه وعينه، لا يشم منك إلاّ طيبًا ولا يسمع إلاّ حسنًا ولا ينظر إلاّ جميلًا وأنا الذي أقول لأمك ليلة ينائي بها:
خذي العفة مني تستديمي مودتي ** ولا تنطقي في سورتي حين أغضب

ولا تنقريني نقرك الدفّ مرة ** فإنك لا تدرين ماذا المغيب

فإني رأيت الحب في القلب والأذى ** إذا اجتمعا لم يلبث الحب يذهب

. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

فإن قلت: تعضلوهن، ما وجه إعرابه؟
قلت: النصب عطفًا على أن ترثوا.
و(لا) لتأكيد النفي.
أي لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا أن تعضلوهن.
فإن قلت: أي فرق بين تعدية ذهب بالباء، وبينها بالهمزة؟
قلت: إذا عدي بالباء فمعناه الأخذ والاستصحاب، كقوله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبُواْ بِهِ} [يوسف: 15] وأما الإذهاب فكالإزالة.
فإن قلت: {إِلاَّ أَن يَأْتِينَ} [النساء: 19] ما هذا الاستثناء؟
قلت: هو استثناء من أعم عام الظرف أو المفعول له، كأنه قيل: ولا تعضلوهن في جميع الأوقات إلا وقت أن يأتين بفاحشة.
أو: ولا تعضلوهنّ لعلة من العلل إلا لأن يأتين بفاحشة.
فإن قلت: من أي وجه صح قوله: {فعسى أَن تَكْرَهُواْ} جزاء للشرط؟
قلت: من حيث أنّ المعنى: فإن كرهتموهن فاصبروا عليهن مع الكراهة، فلعل لكم فيما تكرهونه خيرًا كثيرًا ليس فيما تحبونه فإن قلت كيف استثنى ما قد سلف مما نكح آباؤكم؟
قلت: كما استثنى (غير أن سيوفهم) من قوله: (ولا عيب فيهم) يعني: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف، فانكحوه، فلا يحل لكم غيره.
وذلك غير ممكن.
والغرض المبالغة في تحريمه وسدّ الطريق إلى إباحته، كما يعلق بالمحال في التأبيد نحو قولهم: حتى يبيض القار، وحتى يلج الجمل في سم الخياط. اهـ.
سؤال: فإن قال قائل: كيف كانوا يرثونهن؟ وما وجه تحريم وراثتهن؟ فقد علمت أن النساء مورثات كما الرجال مورثون!
قيل: إن ذلك ليس من معنى وراثتهن إذا هن مِتن فتركن مالا وإنما ذلك أنهن في الجاهلية كانت إحداهن إذا مات زوجها، كان ابنه أو قريبُه أولى بها من غيره، ومنها بنفسها، إن شاء نكحها، وإن شاء عضلها فمنعها من غيره ولم يزوّجها حتى تموت. فحرّم الله تعالى ذلك على عباده، وحظَر عليهم نكاحَ حلائل آبائهم، ونهاهم عن عضلهن عن النكاح. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {أن ترثوا النساء} في محلّ رفع على الفاعليَّة بيحل أي: لا يحل لَكُمْ إرثُ النساء.
وقرئ: {لا تحل} بالتاء من فوق على تأويل {أن ترثوا}: بالوراثة، وهي مؤنَّثة، وهي كقراءة {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ} [الأنعام: 23] بتأنيث {تكن} ونصب فتنتهم بتأويل ثم لم تكن فتنتهم إلا مقالتهم، إلاَّ أنَّ في آية الأنْعَامِ مسوغًا، وهي الإخبار عنه بمؤنث كما سيأتي، و{النساء} مفعولٌ به، إمَّا على حذف مضاف أي: أن تَرثُوا مال النِّسَاءِ إن كان الخَطَابُ للأزْوَاجِ، لأنَّهُ روي أنَّ الرَّجُلَ منهم كان إذا لم يكن له غرض في المرأة أمسكها حتى تموتَ؛ فيرثها، أو تَفْتَدِيَ منه بمالها إنْ لم تَمُت، وإمَّا من غير حذف على أن يكون بمعنى الشَّيءِ الموروث إنْ كان الخطاب للأولياء، أو لأقرباء الميّت، وقد تَقَدَّمَ المعنيانِ في سبب النُّزُولِ على ما تَقَدَّمَ؛ فلا يحتاج إلى حَذْفِ أحد المفعولين إمّا الأوَّلُ أو الثَّانِي على جَعْلِ {أَن تَرِثُواْ} متعدّيًا لاثنين كما فعل أبُو الْبَقَاءِ.
قال: {النساء} فيه وجهان:
أحدهما: هُنَّ المفعول الأوَّل، والنساء على هذا هُنَّ الموروثاتُ، وكانت الجاهليّة ترث نساء آبائهم وَيَقُولُونَ: نحنُ أحقُّ بنكاحهنَّ.
والثاني: أنه المفعول الثّاني، والتّقدير: أن ترثوا من النّساء أي: أن ترثوهن كَارِهات، أو مكروهات، وقرأ الأخوان {كرهًا} هنا وفي براءة والأحقاف بضمِّ الكَافِ، وافقهما عاصم وابن عامر في رواية ابن ذكوان عنه على ما يأتي في الأحقاف، والباقون بالفتح.
وقد تَقَدَّمَ في الكُره والكَره بمعنى واحد أم لا؟ في أوَّلِ البَقَرَةِ. ولا مفهوم لقوله: {كَرْهًا} يعني فيجوز أن يرثوهن إذا لم يَكْرَهْن ذلك لخروجه مَخْرج الغالب.
قوله: {وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ} فيه وجهان:
أظهرهُمَا: أنَّهُ مجزوم بلا الناهية عطف جملة نهي على جملة خبريَّة فإنْ لم تشترط المناسبةُ بين الجُمَلِ كما هو مذهب سِيبَويْه- فواضحٌ، وَإن اشترطنا ذلك- كما هو رأي بعضهم- فلأن الجُمْلَةَ قبلها في معنى النهي إذ التَّقْديرُ: {ولا ترثوا النساء كرهًا} فإنَّهُ غير حلال لكم. وجعله أبُو البقاءِ على هذا الوجه مستأتفًا يعني أنَّه ليس بمعطوفٍ على الفعلِ قبله.
والثَّانِي: أجازه ابن عطية وَأبَو البَقَاءِ أن يكون منصوبًا عطفًا على الفِعْلِ قبله.
وقال ابنُ عَطِيَّةَ: ويُحتمل أن يكونَ {تَعْضُلُوهُنَّ} نصبًا عطفٌ على {تَرِثُواْ} فتكون الواو مشتركةً عاطفةً فِعْلًا على فعلٍ.
وقرأ ابْنُ مَسْعُودٍ: {ولا تعضلوهن} فهذه القراءة تقوّي احتمال النّصب، وأن العَضْلَ مَمَّا لا يَحِلُّ بالنص.